Algérie - ARTS ET CULTURES

حرقة عمل درامي تونسي مميّز


حرقة عمل درامي تونسي مميّز

"الفنّ مراة الحياة" هذا ما قاله ارسطو قبل الاف السنين و ان كانت هذه الكلمات في محلها فيجب على الفنّ ان يجرد نفسه من السطحية في معالجة الأمور و يرمينا في مواجهة حقيقيّة مع قضايانا , خاصّة تلك الإجتماعية منها , إذ يجب على الفنّ أن يقتحم بجراة اغوار هذه القضايا و يطرحها لنا دون تبيض او تزييف و ذلك كي يعكس لنا الصورة الحقيقية عن الأوضاع داخل المجتمع .
ربّما بهذه الطريقة يمكننا أن نسموا بالامّة و نخدم قضاياها بشكل أنجع.

الدراما التلفزيونية هي من أنواع الفنّ و هي ربّما من أفضل الوسائل التي تتيح لصنّاع الدراما حول عالم نشر قضايا الأمم و هواجسها نظرا لدور الكبير للتلفزيون في ايصال هذه الأعمال الى المشاهدين.

"حرقة" هو عمل درامي تونسي عرض ضمن الأعمال الرمضانية لهذا العام و حرقة كلمة دارجة تونسية معناها الهجرة الغير شرعية.
لاقى هذا العمل استحسان الكثيرين من متابعي الدراما في الوسط التونسي أو حتى في العالم العربي لما تضمنه المسلسل من طرح لقضيّة الهجرة الغير شرعيّة للتونسيين بصفة خاصّة و للأفارقة بصفة عامّة, فقد تضمن الطرح هذه القضية الإجتماعية العميقة و حلم الهجرة المتأصل في اللاوعي بالنسبة للشباب التونسي متناول الأسباب وصولا الى النتائج من خلال شخصيات ابدعت في ايصال مختلف المشاعر الحزن و الفرح و الرهبة و الرغبة , اليأس و الأمل.

تمّ تسليط الضوء على العديد من المسائل في هذا العمل منها قضية المفقودين و كيفية تعامل الدولة مع هؤلاء وصولا الى كيفية تعامل الدول الغربية مع المهاجرين الافارقة الذين يحالفهم الحظ في الوصول الى التراب الأوروبي داخل مراكز الإيواء.

مراوحات دراميّة عميقة نبشت أركان المشاهد الذي أصبح يرى نفسه في نفس الوضعيات يعيش نفس المواقف و يشارك ابطال المسلسل حرقتهم و نكبتهم حتى انه وصل الى تبني القضية.


تناول المسلسل قصص صغيرة فرعية صبت في موضوع واحدة او وصلت الى نتيجة واحدة وهي الهجرة الغير شرعيّة, قصص طرحت بتناغم تام و بنفس الأهمية في خطّ زمني واحد, وجهات نظر طرحت كانها تجسيد لفلم وثائقي و ليس مسلسل درامي رمضاني.

في "الحرقة" مثلا نجد البوليسي المتواطئ و البوليسي النبيل الذي يسعى من إنقاذ ما يمكن انقاذه, نجد الأب الذي تخلى عن كلّ شيء من أجل إستعادة ابن اختار الهجرة كحلّ, نجد الأم التي ارسلت ابنها او دفعت به في غياهب رحلة الموت ثم ندمها الشديد, نجد المرأة التي هربت من نظرة مجتمعها لطفلها الغير شرعي و تخلي عائلتها عنها, نجد ايضا منظم رحلة الموت أو رحلة الهجرة الغير شرعيّة الذي يمكن أن يكون هو ايضا ضحيّة و نرى ايضا ان الرحلة لم تقتصر على التونسيين فالقارب يحمل جنسيات افريقية اخرى غير التونسيين و هنا تلميح صريح بأنّ الهجرة ليس حلم تونسي فقط و انما حلم مشتركا لمن يعيش على قارّة أفريقيا.

ما سيشدّ انتباهك في رحلة الموت هذه هو أن المركب جمع بعض هذه الشخصيات التي هربت من واقعها بحثا عن الأفضل محملة بالأسباب المقنعة منها و التي لا تبرر أن نرتمي في أحضان الموت كما بيّن لنا أيضا أن الهجرة ليست حكرا على من فئة دون أخرى اذ نلاحظ وجود طلبة و أطباء و مكفوف على متن القارب من الجنسين أيضا كتمرير بأن الهجرة ليست حكرا على الرجال فقط.

شارك في نسج خيوط هذا المسلسل العديد من الممثلين المسرحيين من أبرزهم مهذب الرميلي و رياض حمدي إضافة الى وجوه تلفزيّة تونسية معروفة وجيهة الجندوبي و عايشة بن أحمد و غيرهم…
أظهر العمل ايضا طاقات شبابية مميزة ساهمت في نجاح العمل , المخرج هو لسعد الوسلاتي مخرج متميز ظهر من خلال نجاح سابق من خلال مسلسل المايسترو منذ سنتين تقريبا حيث لاقى العمل نجاحا في الوسط التونسي أيضا تركز أعمال لسعد الورتاني على القضايا الإجتماعية التي تلامس مهجة المتفرّج من خلال طرح فنّي مميّز مبني على تعرية الواقع تماما و تقديمه دون تشويه للقضايا.

عرض المسلسل على التلفزة الوطنيّة التونسية أي من مؤسسة تابعة للدولة تطرح قضيّة إجتماعية يعود كلّ اللوم فيها للدولة اساسا ,وهذا ما لا نجده في الأعمال التلفزيّة خاصّة التابعة للمؤسسات الحكوميّة في اي بلد عربيّ التي عادة ما تكون في مساندة دائمة للدولة في كلّ شيء .

هذه التجربة ايضا كانت تونس سبّاقة فيها باعتبارها دولة سبّاقة في مسألة الحريّات و الحقوق على اثر خاضته في بداية العشريّة الاخيرة من ملحمة ثوريّة ضدّ نظام قمعي ديكتاتوري انتهت بأن أصبحت الجمهويّة التونسيّة بلد حرّا بامتياز .

العمل الدرامي المميز "حرقة" الذي نال على على استحسان الكثيرين هو نتاج مجهودات كثيرة من ممثلين الى اخراج و السيناريو وصولا الى الموسيقى ليقدم لنا عمل درامي مستوحى من قضايا إجتماعيّة من قلب المجتمع تدفع بالدراما التونسيّة الى الأمام.


Votre commentaire s'affichera sur cette page après validation par l'administrateur.
Ceci n'est en aucun cas un formulaire à l'adresse du sujet évoqué,
mais juste un espace d'opinion et d'échange d'idées dans le respect.
Nom & prénom
email : *
Ville *
Pays : *
Profession :
Message : *
Veuillez saisir le code ci dessous
*



Recharger l'image

(Les champs * sont obligatores)