تونس - A la une

في سويسرا، المغتربون في قلب الجدل حول أزمة السكن


لطالما اعتُبرت سويسرا ملاذًا للاستقرار، لكن سوقها العقارية باتت تشهد توترًا متزايدًا نتيجة عوامل متعددة، من أبرزها التوافد الكبير للمغتربين. إذ تستقبل البلاد سنويًا ما يصل إلى 50 ألف وافد جديد، أغلبهم يتجهون نحو المراكز الاقتصادية مثل زيورخ، ما يثير اليوم مخاوف وتوترات سياسية وانتقادات علنية.وقد تحوّل هذا الموضوع إلى قضية رأي عام بعدما وثّقت مؤثرة أمريكية بحثها عن شقة في زيورخ على منصة تيك توك، عارضة شروطًا دقيقة: أربع غرف، شرفتان باتجاهين مختلفين، قرب البحيرة، مصعد، غرفة ملابس، وتجهيزات منزلية خاصة، مقابل إيجار يقارب 6,700 فرنك سويسري (حوالي 24,000 دينار تونسي).
وسرعان ما أثارت هذه الفيديوهات موجة من السخرية والانتقادات، وأعادت إشعال الجدل حول تأثير الأجانب على سوق الإيجار في سويسرا.
ضغط حقيقي لكنه ليس الوحيد
يشكل المغتربون نسبة متزايدة من سكان المدن السويسرية. ففي زيورخ، ارتفعت نسبة الناطقين بالإنجليزية من أقل من 2% إلى 14% خلال عشرين عامًا. هذا التحول الاجتماعي يغذي شعورًا متناميًا بالاستياء، يتقاطع من اليمين إلى اليسار في المشهد السياسي.
وقد حمّلت «حزب الشعب السويسري» (UDC) عبر مبادرته «لا لسويسرا بعشرة ملايين نسمة!» الهجرة مسؤولية ارتفاع الإيجارات. حتى داخل الحزب الاشتراكي، عبّر بعض النواب عن رفضهم لما يعتبرونه إقصاءً للسكان المحليين لصالح مغتربين أثرياء.
وفي زيورخ، تم تبني لائحة مشتركة بين حزبي الUDC والاشتراكي، تهدف إلى إعطاء الأولوية للسكان المحليين في تخصيص السكن البلدي. أما في كانتون زوغ، فشعار «زوغ أولًا» يدعو إلى حجز المساكن لمن يقيمون فيه منذ أكثر من عشر سنوات.
سوق تعاني من اختلالات هيكلية
لكن بالنسبة إلى كريستيان شميد، أستاذ علم الاجتماع الحضري بالمعهد الفدرالي التقني في زيورخ (EPFZ)، فإن اختزال أزمة السكن في توافد المغتربين يُعد تبسيطًا مفرطًا. ويُذكر بأن هذه الأزمة مزمنة في زيورخ منذ قرابة نصف قرن. فالمدينة أصبحت تعتمد على نموذج اقتصادي قائم على مقرات الشركات العالمية، والمصارف، وشركات التأمين، ما يجتذب فئة ذات دخل مرتفع قادرة على تحمّل إيجارات باهظة. التحدي، بحسب شميد، لا يكمن في الكمّ بل في التلاشي التدريجي للسكن الميسّر.
ويضيف قائلًا: «العديد من المباني التي شُيّدت في الستينيات والسبعينيات تُهدم أو تُرمم اليوم لأسباب مالية بحتة». والنتيجة: ارتفاع كبير في الإيجارات، بينما تكافح الطبقات المتوسطة للحاق بالركب.
حتى المغتربون يواجهون الأزمة
حتى المتخصصون في مجال استقبال الوافدين الجدد بدأوا يدقّون ناقوس الخطر. رينيه. ر، مؤسس وكالة استقرار للمغتربين، يشير إلى تدهور سريع في ظروف البحث عن سكن. ويقول: «كنا نعرض من ست إلى سبع شقق في اليوم الواحد، أما الآن، فهناك ما بين 40 و50 شخصًا في كل زيارة».
وتحاول وكالته مرافقة المغتربين في إجراءات البحث، لكن غياب إتقان اللغة الألمانية والمنافسة الحادة يجعلان من الصعب جدًا الحصول على شقة، خاصة في فئة الإيجارات المتوسطة.
نحو استراتيجية حضرية جديدة؟
لم يعد النقاش محصورًا في المغتربين، بل بات يطرح تساؤلات أوسع حول خيارات التخطيط الحضري والسياسات الاقتصادية في البلاد. بالنسبة إلى شميد، على زيورخ أن تخرج من النموذج الحالي، ويقول: «الاكتظاظ أو الترميم وحدهما لا يكفيان، بل يجب إنشاء أحياء جديدة، كما حدث في عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي. وإذا أردنا كبح جماح الضغط العقاري، علينا إعادة التفكير في النموذج الاقتصادي القائم على الجاذبية العالمية».
وفي الأثناء، حُذفت فيديوهات المؤثرة الأمريكية من الإنترنت، ورفضت الإدلاء بأي تصريح. لتبقى التساؤلات قائمة: هل وجدت شقة أحلامها أم أنها اصطدمت بواقع أكثر تعقيدًا مما كانت تتصور؟
هكذا، تكشف أزمة السكن في سويسرا عن كونها أكثر من مجرد نتيجة للهجرة. إنها تعبير عن خيارات مجتمعية تتأرجح بين الانفتاح الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وتخطيط المجال.
ولتفادي قطيعة دائمة بين السكان المحليين والوافدين الجدد، بات من الضروري اعتماد سياسة سكنية شجاعة وشاملة.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
يرجى إدخال الرمز أدناه
*



تحديث الرمز

(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)